محتويات المقال
تُساعِدُ التقنية العديدَ من الشركات على تطوير كفاءة عملياتها، وقدرتها التنافسية، إذ تُمكِّنُ الأنظمةُ الحاسوبية -خصوصًا- المُصنِّعين من أتمتةِ مصانعهم بطرقٌ لم يسبق لها مثيل، ومنَ التقنيات التي تُساعِدُ في أتمتةِ التصنيع؛ أنظمةُ التصميم، والتصنيع، بمساعدة الحاسوب Computer-Aided Design and Manufacturing Systems، وعلم الجسمال (الروبوتات) Robotics، وأنظمة التصنيع المَرِن Flexible-Manufacturing Systems، والتصنيع المتكامل بالحاسوب Computer-Integrated Manufacturing.
في هذا المقال من سلسلة مقالات مدخل إلى عالم الأعمال سنتعرف على الأدوار التي تلعبها التقنية والأتمتة في إدارة عمليات التصنيع وقطاع الخدمات
أنظمة التصميم والتصنيع بمساعدة الحاسوب
غيَّرتِ الحواسيبُ عملياتِ التصميم، والتصنيع، في العديد من المجالات التجارية، ففي نظام التصميم بمساعدة الحاسوب Computer-Aided Design، تُستخدَم الحواسيبُ لتصميم منتجات جديدة، وتعديل أخرى موجودة مسبقًا، ويستخدم المهندسون تلك الأنظمة لرسم المنتجات، والنظر إليها من زوايا مختلفة، فبوسعهم تحليلُ المنتجات، وإجراءُ تغييرات، واختبار نماذجَ أولية، أو نُسخٍ تجريبية من المنتجات قبل تصنيعها.
أما نظام التصنيع بمساعدة الحاسوب Computer-Aided Manufacturing، فيستخدم الحواسيبَ لتطوير عملية الإنتاج، والتحكم بها، وتحلل تلك الأنظمةُ الخطواتِ المطلوبةَ لصنع المنتج، ثم ترسل تلقائيًّا تعليماتٍ إلى الآلات التي تقوم بالعمل، ويجمع نظامُ التصميم بمساعدة الحاسوب Computer-Aided Design، ونظامُ التصنيع بمساعدة الحاسوب Computer-Aided Manufacturing مزايا التصميم، والتصنيع، بمساعدة الحاسوب عبر دمج التصميم، والاختبار، وضبط التصنيع في نظامٍ حاسوبي واحد.
إقرأ أيضا:تنظيم يومك في العمل من أفضل الطرقويساعد هذا النظام المزدوج في تصميم المنتج، وضبط تدفق الموارد المطلوبة لصناعة المنتج، وتشغيل عملية الإنتاج، كما أنَّه بوسع الشركات إدخال مزيد من التطوير على عمليات التصميم، والتصنيع عبر استخدام ما يسمّى التصنيع التجميعي Additive Manufacturing، الشائع تسميته بالطباعة ثلاثية الأبعاد 3D Priting، إذ يمكن لطابعاتٍ متخصصة إنشاءُ منتجات، أو أجزاء، أو قِطَعٍ، للاستخدام في النماذج الأولية، كما تقوم بعض الشركات بطباعة مكوِّنات معينة في موقع الإنتاج، بدلًا من شحنها من مصادر خارجية.
استخدمت شركةُ كارديانوف Cardianove Inc.، وهي مُصنِّعُ أجهزة طبية، وجراحية، برمجيةَ التصميم بمساعدة الحاسوب لتطوير أصغر مضخة قلبٍ Heart Pump في العالم، وتقول تلك الشركة: إنَّ استخدام التصميم بمساعدة الحاسوب؛ قد وفَّرَ سنيتن عادةً ما كان يستغرقهما تصميمُ أجهزة القلب، فقد تمكَّن برنامجُ التصميم، بمساعدة الحاسوب الخاصّ بالشركة، من تشغيل مُحاكاةٍ ثلاثية الأبعاد لتأكيد أنَّ التصميم سيعمل بطريقة صحيحة داخل جسم الإنسان، وباستخدامها برمجية التصميم بمساعدة الحاسوب، اختبرت شركة كارديانوف أكثر من 100 من النماذج الأولية الافتراضية قبل أن تنجح في إنتاج التصاميم الثلاثة الأولى الخاصة بالاختبار الحقيقي.
علم الروبوتات
الجسمال؛ أي: الجسم الآلي (الروبوت) هو آلة يتحكم فيها الحاسوب، ويمكنها تنفيذ المهام تنفيذًا مستقلًا، أما علم الجسمال (الروبوتات -Robotics، فهو التقنيات الداخلة في تصميم هذه الآلة، وبنائها، وتشغيلها، وقدِ استُخدِم الجسمال الأول “العامل ذو الياقة الحديدية” من قبل شركة جنرال موتورز General Motors في العام 1961، وهناك نوعان لهذا الجهاز، هما: النقالة، والمثبَّتة في المكان؛ ويُزوَّدُ الجسمال المُثبَّت في المكان، بذراع تتحرك، وتنفّذ ما يوجهها الحاسوبُ لفعله، فبعضُها بسيط للغاية، وذو حركة محدودة، ويُستخدَمُ لتنفيذ عدد قليل من المهام مثل: قص الألواح الحديدية، أو اللحام النُقَطي، وهناك الجسمال المعقد المزود بمقابض؛ يمكن برمجتُها لتنفيذ سلسلة من المهام، كما إنّ بعضها الآخر مزوَّدٌ بحسّاساتٍ للرؤية، واللمس.
إقرأ أيضا:كيف تفاوض وتقنع زبونك بما تريد ؟! .. بقلم : مايكل شاتزكيتعمل هذه الأجهزة -عادة- بتدخُّلٍ محدود من الإنسان، أو بدونه في بعض الأحيان، ويكون استبدالُ هذه الأجهزة بالجهد الإنساني، أكثر فاعلية بالنسبة للمهام التي تتطلب دقةً، وسرعةً وقوة، ومع أن استخدام الجسمال (الروبوتات) من قبل شركات التصنيع، مثل: هارلي-ديفيدسون Harley-Davidson، هو الأكثر ترجيحًا، إلا أن شركات الخدمات -كذلك- تجد استخدام هذا الجسمال مفيدًا لها، إذ يمكن للمستشفيات -مثلًا- استخدامُه لفرز عينات الدم، ومعالجتها، فتريح أفرادَ الطواقم الطبية من مهام مكررة، ومَمْلولة، بل، وخطيرة أحيانًا أخرى.
أنظمة التصنيع المرن والتصنيع المتكامل بالحاسوب
يؤتمِتُ نظامُ التصنيع المرن Flexible Manufacturing System المعملَ عبر دمج الحواسيب، والجسمال، والأدواتِ الآلية Machine Tools، ومعداتِ مناولة المواد، والأجزاء Materials-and-Parts Handling Machinery، ضمن نظام متكامل، وتدمجُ تلك الأنظمةُ محطاتِ العمل المؤتمتة، مع أجهزة نقلٍ متحكَّمٍ بها بواسطة الحاسوب، كما تنقل العرباتُ الآلية الموجَّهة Automatic Guided Vehicles الموادَ بين محطات العمل داخل النظام، وخارجه.
الأخلاق مطبقة
هل يمكن للتقنية الحديثة أن تنقذ حياتك؟
كان يُنظَرُ في الماضي إلى استخدام الجسمال (الجسم الآلي) ﻹجراء عملياتٍ جراحية على أنه خيالٌ مستقبلي، لا أكثر، وقد أجري ما يقدر بنحو 1.5 مليون عملية جراحية بواسطة نظام دافنشي الجراحي da Vinci Surgical System وفقا لمبتكرها، وهي شركة إنتيوتف سيرجيكل Intuitive Surgical.
إقرأ أيضا:كيف رفعنا نسبة استجابة عملائنا لاستبيان المغادرة بنسبة 785%إذًا، ما الذي يفسّرُ تلك الطَّفرة في العمليات الجراحية الجسمالية (الروبوتية)؟ تقترحُ بعضُ الدراسات اﻷولية أنَّ السبب في ذلك يعود إلى تحقيقها نتائجَ أفضلَ للمرضى، ويجد الجراحون الذين يستخدمون نظام دافنشي الجراحي، أن المرضى الذين خضعوا لعمليات جراحية جسمالية يفقدون كمية دمٍ أقل، ويعانون من ألمٍ أخف مما تسببه الجراحات التقليدية المفتوحة، وأنَّ مخاطرَ حدوث مضاعفاتٍ، منخفضةٌ في العمليات الجسمالية، كما تقصُر بعدها فترةُ إقامتهم في المستشفيات، ويتطلب تعافيهم وقتًا أقلَّ من أولئك الذين خضعوا لجراحة مفتوحة، أو حتى، في بعض الحالات، من الذين خضعوا لإجراءاتٍ تنظيرية تُجرى من خلال شقوق صغيرة متعددة في أجسادهم.
في أكتوبر 2005، قام الطبيب فرانسيس سوتر Francis Sutter، رئيس قسم أمراض القلب في مركز أمراض القلب التابع لمستشفى لانكيناو Lankenau Hospital بالقرب من مدينة فيلادلفيا Philadelphia، بولاية بنسلفانيا الأمريكية، قامَ بإجراء أول جراحة فتح مجرى جانبي للشريان التاجي Double Bypass باستخدام نظام دافنشي الجراحي، وكان المريض الذي أجريت له تلك العملية، رَجُلًا في الخامسة والستين من عمره، ولم يتطلَّبِ الأمرُ سوى عمل شقٍّ واحد -فقط- على الجانب اﻷيسر من صدره؛ عَرضُه بوصتان اثنتان -فقط- وأصبح بإمكانه السَّيرُ لمدة 30 دقيقة في اليوم، بعد أسبوع ونصف -فقط- من الجراحة، وقد أظهرتِ الفحوصُ، أنَّ وظيفة قلبه عادت طبيعيةً مجدّدًا.
ماذا عن سلبياتِ العمليات الجراحية باستخدام الجسمال إذًا؟ الجواب هو أنَّ سعر الوحدة 1.3 مليون دولار، وقد يُمثِّلُ هذا عائقًا أمام استخدام هذا الجهاز؛ نظرًا ﻷن شركات التأمين تدفع مبلغًا ثابتًا من المال، مقابل عملية جراحية واحدة، بصرفِ النظر عن كيفية إجرائها، ويلتزمُ المستشفى بدفع حِساب عمليات جراحية الجسمال اﻷكثر تكلفة، لذا فقد عمل مركزُ الطبيب سوتر على جمع التبرعات للمساعدة في دفع تكلفة نظام دافنشي الجراحي، ويتردد بعض الجراحين في المجازفة بالوقت اللازم لتعلُّمِ أساليب جراحة الجسمال. وهناك -أيضًا- قلق من أنه بمجرد أن يستثمر مشفىً في مثل هذا النظام المكلف، فقد يشعر الجراحون بأنهم مضطرون ﻻستخدامه، وتوجيه المرضى نحو الجراحة من هذا القبيل، بدلًا من خيارات العلاج اﻷخرى.
وهناك أنواع أخرى من التقنيات التي تُطوِّرُ الرعايةَ الصحية، ففي المركز الطبي أورورا سانت لوك Aurora St. Luke’s Medical Center في مدينة ميلووكي Milwaukee، بولاية ويسكنسن الأمريكية، تفحص ممرضاتُ العناية المركزة مريضًا يخرج بعد خضوعه لجراحة فتح مجرى جانبي للشريان التاجي في القلب، وذلك في مبنىً يبعُد عدة أميال عن مكان إجراء تلك العملية، هذه هي وحدة العناية المُركَّزة الإلكترونية Electronic Intensive Care Unit، وتُعرَف اختصارًا بـ”eICU” في مركز أورورا سانت لوك الطبي Aurora eICU التي يراقب منها فريقٌ من اﻷطباء، والممرضات أكثر من 10 وحدات عناية مُرَكَّزة في أربعة مستشفيات مختلفة، منتشرة في شرق ولاية ويسكنسن. يقول ديفيد رين، المدير الطبي لوحدة العناية المركزة الإلكترونية في مركز أورورا الطبي: “ليسَ القصدُ جعلَ الرعاية أبعد، بل جلبُ الخبرة إلى غرفة المريض بشكل أسرع من أي وقت مضى”.
تعرض الشاشاتُ العلاماتِ الحيوية، والمخطط اﻹلكتروني لجسم المريض، مع تفاصيل عن اﻷدوية، والفحوصات المخبرية، ونتائج اﻷشعة السينية، وملاحظات عن حالته الصحية، ويمكن للكاميرات أن تكبِّر الصورة المأخوذة لمنطقة ما من جسم المريض، لدرجةٍ تُمكِّنُ الطاقم الطبي الذي يتولى مراقبته عن بُعد، من رؤية الشعيرات الدموية في عينيه.
وقد توصَّلت دراسةٌ حديثة إلى أنَّ معدل وفيات المرضى كان أقل بنسبة 7.2% في المستشفيات “التي يُستخدَم الجسمال في الخدمات الطبية، والجراحية التي تقدم”، وهي دراسةٌ حفزتِ كثيرًا من الباحثين في مجال الرعاية الصحية، ومع أن تلك الدراسة لا تُثبِت أن التقنية الحديثة تؤدي إلى نتائج أفضل للمرضى، لكنها تُظهِر وجودَ ارتباطٍ قوي بينهما.
ولا شكَّ في أنَّ جراحة الجسمال تثير بعض القضايا اﻷخلاقية، إذ تطرحُ التطوراتُ الأخيرة مشاكلَ أخلاقية؛ قد تنشأ عند تطبيق التقنية الحديثة في ممارسات الرعاية الصحية، وقد حدَّدَ الطبيب برتالان ميسكو Bertalan Mesko، مؤلِّفُ كتاب الدليل إلى مستقبل الطب The Guide to the Future of Medicine، بعضَ تلك المشكلات الأخلاقية، ومنها: اختراق اﻷجهزة الطبية، والدفاع عن خصوصيتنا، وفحصُ أنفسنِا في المنزل (بدون توجيه طبي)، وتغيُّرُ المجتمع في حالِ تمكَّنا من إطالة العُمْر، واﻹرهاب البيولوجي المحتمل بسبب التقدم التقني.
إنَّ أنظمةَ التصنيع المَرِن باهظةُ الثمن، ولكن بمجرد وضعِ أحدها في الخدمة، فلا يتطلبُ سوى القليل من العمالة للتشغيل، كما أنه يوفر جودةَ منتجٍ متناسقة، إضافة إلى إمكانية تعديله بسهولة، وبتكلفة أقل، كما يمكن إعادة برمجة معدات نظام التصنيع المرِن بسرعة؛ ﻷداء مجموعة متنوعة من الوظائف، وتعمل هذه اﻷنظمة بشكل جيد، عندما يكون المطلوبُ مجموعةً صغيرة متنوعة من المنتجات، أو عندما يُصنَّعُ كل منتجٍ وفقًا للمواصفات الفردية التي يطلبها الزبائن، ويدمج التصنيع المتكامل بالحاسوب Computer-Integrated Manufacturing عملياتِ التصنيع المحوسبة (مثلا الجسمال، وأنظمة التصنيع المرن) معَ اﻷنظمة المحوسبة اﻷخرى، التي تتحكم في التصميم، والمخزون، واﻹنتاج، والشراء، وبفضل التصنيع المتكامل بالحاسوب، عند إعادة تصميم جزء في نظام التصميم بمساعدة الحاسوب، تُنقَل التغييراتُ بسرعة إلى كل من اﻵلات التي تُنتِجُ ذلك الجزء، وإلى اﻷقسام اﻷخرى التي تحتاج إلى معرفة ذلك التغيير والتخطيط له.
التقنية واﻷتمتة في خدمتك
ليستِ الشركاتُ المُصنِّعة الوحيدةَ هي المستفيدةَ من التقنيات الحديثة، بل تُستخدَم اﻷتمتة -أيضًا- من قبل أنواعٍ أخرى من الشركات، بهدفِ تحسين إنتاجيتها، وخدمتها للزبائن، فالبنوك مثلًا: تقدم خدماتها للزبائن عبرَ أجهزةِ الصرّاف الآلي Automated Teller Machines المعروفة اختصارًا بـ ATMs، وعبر أنظمة الهواتف المؤتمتة، وحتى عن طريق الإنترنت، وتستخدم متاجرُ البيع بالتجزئة -بجميع أنواعها- محطاتِ نقاط بيع Point-of-Sale Terminals (وهي نظام لمعالجة مدفوعات البطاقة في مواقع البيع بالتجزئة) تتعقب المخزون، وتحدد العناصر التي يجب إعادة طلبها، والمنتجات التي تحقق مبيعات جيدة، ولدى شركة وول مارت Walmart، الرائدةِ في مجال أتمتة تجارة التجزئة، نظامُ اتصالٍ عبر اﻷقمار الصناعية، يربط محطات نقاطِ البيع مباشرة بمراكز التوزيع، ومقراته.
ترجمة -وبتصرف- للفصل Achieving World-Class Operations Management من كتاب introduction to business